الأربعاء، ١٣ ربيع الأول ١٤٣٢ هـ

النظام الملكي

في سياق الحديث عن النظم السياسية وأنواعها، يتأتى لنا إفراد النظام الجمهوري بتعريف مختصر يحدد النظام الجمهوري بكونه نظام يتأسس على حكومة تقوم على أكتاف نواب وممثلين ينتخبون مباشرة أو غير ذلك بواسطة أفراد الشعب، حيث تتركز بين أيديهم السلطات العليا كافة.
ويعين رئيس الدولة فيها بالانتخابات، ويظل يمارس مهام منصبه مدة أربع سنوات، ثم يجري انتخاب غيره في نهايتها، أو يرشح نفسه لإعادة انتخابه.
وفي هذا الإطار يمكننا التمييز بين ثلاثة أشكال للنظم السياسية في ضوء النظام الجمهوري الأول:
_ نظام الحكم الرئاسي: الذي يرتكز على أساس محوري, يتجلى في دور السلطة التنفيذية في العملية السياسية ،وخصوصا  في المجال الخارجي حيث يتمتع رئيس الدولة بسلطات واسعة ، مع نوع من التوازن في المجال الداخلي بين سلطة الرئيس وسلطة البرلمان ، أي أن هنالك رئيسا قويا وبرلمانا قويا يحتاج كلاهما إلى الأخر لأداء عمله , فإذا انتفى شرط واحد من هذين الشرطين صار النظام الجمهوري وبالا , فحينما يسود الصراع والخلاف بين سلطة البرلمان وبين سلطة الرئيس تتخلخل البنيات التي تقوم عليها الدولة,  فيصبح الصراع والرغبة في التملك هي السمة البارزة على هذا النظام , فنجد مثلا أن الرئيس يحتاج لموافقة البرلمان لتعيين وزرائه ، ولكن انطلاقا من اللحظة التي يعين فيها الرئيس وزرائه ، تنتفي سلطة  البرلمان على الوزراء  ، وتنتفي معها سلطة  البرلمان في سحب الثقة من الرئيس ، والرئيس بدوره لا يستطيع  حل البرلمان   .
ويستند النظام البرلماني القوي على ثلاثة مقومات أساسية نجملها في: مؤسسات دستورية فاعلة، سلطة تنفيذية مختزلة، مجتمع مدني فاعل, فإذا ما توفرت هذه المقومات الثلاثة,  يمكن القول أن هنالك دولة دستورية قوية, أما إذا انتفت هذه المقومات الثلاثة أو إحداها فإن مصير الدولة سيؤول إلى الزوال, وسيصبح الصراع هو سيد الموقف, لأن الكل يبتغي السلطة والرغبة في الحكم, وستنقسم الدولة إلى تيارات متناحرة فيما بينها كل تيار يدعي الشرعية في الحكم ,وسيسعى إلى نيل السلطة بالعنف لا بطريقة ديمقراطية, لأنه في غياب ممثل البلاد سيصبح منطق القوة هو المنطق المهيمن وهو المعيار الوحيد لنيل السلطة, ولنتخيل حياة الشعب الذي في ظل هذا النظام كيف ستكون , ستكون عذابا أليما ونارا تلسع الشعب  من جراء القتل والنهب الذي سيصبح هو السمة البارزة عندما يتسرب الشقاق والخلاف بين ركائز النظام , وحينها تصير السلطة والرغبة في الحكم غاية في ذاتها , وغاية كل واحد من أفراد الشعب بدون سند , ليس لخدمة الشعب بل لخدمة المصالح الذاتية والأطماع الشخصية , وهذا هو الخطر الذي يحدق بهذا النظام وهو يواجه التحديات التي تعترضه, وهذا الشرخ المهول في وحدة السلطة في النظام الجمهوري لا نجده في النظام الملكي .
فنظام الحكم الملكي من أقدم أنظمة الحكم التي عرفت على مر التاريخ, ويمكننا تحديد النظام الملكي في كونه نظام حكم يكون فيه الملك على رأس الدولة ويتميز بأن الحكم غالباً ما يكون لفترة طويلة وعادة حتى وفاة الملك وينتقل بالوراثة إلى ولي عهده.
وإذا ارتبطنا ببنيات المجتمع المغربي وبمكوناته المختلفة وجدنا أن أصلح نظام يكفل دوام الأمن والاستقرار للمواطن هو النظام الملكي , فمن سابع المستحيلات دوام هذا الاستقرار والأمن الذي يرغد فيه المواطن, في ظل النظام الجمهوري,  لأن هذا النظام كما أسلفنا  يفتقد إلى الضوابط والمعايير الأساسية التي توفر للشعب الحياة المستقرة وذلك نتيجة لافتقاده  إلى  خاصيتين اثنتين ,  نجسد الأولى في عنصر الاستقرار الذي يتولد  من وحدة الهدف ووحدة السياسة , ذلك أن هناك  سمة بارزة يتسم بها النظام الملكي,  ألا وهي ديمومة الحكم واستقراره ووحدته , أي أن هناك شخص الملك يحفظ وحدة البلاد واستقرارها , بينما النظام الجمهوري يفتقد إلى الاستقرار وإلى سياسة ثابتة وواضحة فكل رئيس له توجهه الخاص , وهذا الأمر يعرض الدولة إلى العديد من التقلبات, وهذا ما يفرض عليها العديد من التحديات في كثير من الأحيان يستعصي إيجاد حل لها , هذا من جهة أما من جهة أخرى فذيوع السلطة بين أوساط الشعب يوقظ الشحناء والخلاف بين طبقات الشعب , ويجعل من اعتلاء عرش السلطة الشغل الشاغل لفئات واسعة من المجتمع بدل التفكير في السبل الكفيلة لتطوير البلاد ورقيها , كما أن الاستقرار يصبح صعبا حينما تتعدد الأعراق داخل المجتمع وحينما تتباين أجناسه وانتماءاته ,ففي هذا المجتمع وفي ظل النظام الجمهوري سيصير منطق القوة هو سيد الموقف , وستتأجج الرغبة في الحكم , وستزول عرى الألفة والمحبة داخل المجتمع , وستداس جميع الحقوق المتعارف عليها دوليا تحت سلطان الطمع في الحكم والسلطة , وستصير حياة الشعب عذابا أليما عاجلا أم أجلا , وهذه العيوب التي يتميز بها النظام الجمهوري هي عيوب قاتلة لأن أطماع الإنسان في السلطة لا تحدها حدود . 
وفي ظل النظام الملكي, الشعب المغربي ينعم بالاستقرار وبالأمن النفسي نتيجة لتبات النظام ولوحدة السلطة المتمثلة في شخص ملك.
كما أن النظام الملكي يتميز بالعديد من المزايا تفتقر إليها الأنظمة الأخرى نذكر منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر في كون النظام الملكي:
  • يمتاز ببساطة التنظيم وتتم الأعمال فيه على وجه السرعة وبصفة منتظمة.
  • السياسة فيه واضحة ومتماسكة.
  • يحافظ على وحدة الدولة وقوتها.
  • لا يوجد صراع بين الأحزاب للوصول إلى الحكم, وهو أصلح نظام لتحقيق المساواة والعدل بين جميع الطبقات في الدولة.
  • الحكم الملكي يضمن الأمان والاستقرار ولقمة العيش للشعب.
ويرى الفيلسوف السياسي هوبز: أن النظام الملكي هو أحسن أنظمة الحكم ويعلل ذلك بقوله: إن مصالح الملك الشخصية مرتبطة بمصالح رعيته , الملك لا يمكن أن يتعارض مع نفسه أما حين تكون السيادة للبرلمان فإن المعارضة تكثر بين الأعضاء نتيجة للتنافس أو الحسد..
وفي المغرب في ظل النظام الملكي جميع الحقوق المدنية والحريات العامة مكفولة للمواطنين على قدم المساواة, وتتجلى هذه الحريات في حرية الرأي والمعتقد, وكذا حرية الصحافة والنشر, وجميع الحريات السياسية والاجتماعية التي تفيد أن جميع أفراد المجتمع المغربي يملكون حق المشاركة في الحياة الاجتماعية والتأثير على مجرى الأمور العامة, ويمكن تحقيق ذلك مثلا عن طريق تكوين الجمعيات أو عن طريق التجمع العمومي السلمي بحرية قصد المشاركة في الاختيارات والرهانات الاجتماعية التي تمس وجودهم.
وصحيح أن هناك قضايا عويصة ما زالت تقض  مضاجع  العديدين من بينها مشكلة البطالة والفقر إلخ, لكن  الأمر الثابت هو أن المغرب يبدل جهود حثيثة من أجل  تنمية الدخل الفردي للمواطن ومن أجل الرقي بمستواه الاجتماعي .
وقد لاحظ الجميع خطى التغير الجذري الذي عرفه المغرب في عهد الملك محمد السادس, فجل المشاريع الكبرى صدرت عن الملك,  وكذلك تنفيذ هذه الأوراش الكبرى قد اضطلعت بها إرادة الملك وصدرت منه لا عن الأحزاب ولا الحكومة, والعديد من الهيئات أنشئت بقرار ملكي تجلت على سبيل المثال في المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء، والمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، ووكالة تنمية أقاليم الشمال، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وديوان المظالم..
ولا يخفى على أحد الفاعلية التي أبان عليها الملك محمد السادس منذ اعتلائه عرش البلاد,  والمجهودات الجبارة التي بذلها قصد إغناء الجانب السياسي,   فقد كان الملك محمد السادس هو الفاعل الأساسي في مسيرة الانتقال الديمقراطي، في حين انحصر دور الحكومة في تنفيذ برامج الملك، وعلى رأسها مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, كما أن جل الملفات الاجتماعية والاقتصادية تدبر بمبادرة من الملك مباشرة وبأمر منه , وهذا إن دل على شيء فإنما يدل دلالة واضحة على حرص جلالته على المضي قدما في مسيرة التقدم والرقي  السياسي والاقتصادي .
وحسب وجهة نظر المحللين السياسيين, فإن المغرب قد قطع أشواطا هامة في مسيرة النماء والتطور لكونه بلدا آمنا ويملك كل مقومات التطور والتقدم.
                                                                                 بقلم: عادل الخلوة

ليست هناك تعليقات: