الأربعاء، ١٣ ربيع الأول ١٤٣٢ هـ

من التنظيم الإداري اللامركزي وعدم التركيز إلى الجهوية الموسعة

عرف المغرب إصلاحات  إدارية عميقة منذ الاستفتاء الدستوري  سنة  1996,  التي تعتبر اللبنة الأولى للترسيخ الحكامة الترابية الجيدة وصدور قانون المنظم للجهات سنة  1997,  الذي  ساهم في تجاوز المقاربة التقليدية  للمجال  المرتكزة على أسس أمنية, لكن رغم الإنجازات التي تحققت من وراء تطبيق المقتضيات القانونية فان هناك مشاكل جمة طفت على السطح , كان من أهمها انعدام التوازن التنموي على مستوى جهات  ,  وبروز عجز المقاربات التقليدية الإدارية عن استيعاب  النمو الديموغرافي على مستوى الجهات,  كما أن التقسيم  السابق لم يراعي  الخصوصيات الثقافية و المؤهلات الاقتصادية للجهة , فكان لزاما إيجاد بديل مناسب قادر على استيعاب مختلف هذه المستجدات فخرج إلى  حيز الوجود مقترح الجهوية الموسعة من طرف جلالة  الملك في خطابه بمناسبة الذكرى الثالثة  والثلاثون للمسيرة الخضراء ,  الذي يعتبر بمثابة خريطة الطريق في اتجاه ترسيخ نظام مجالي متقدم يراعى الخصوصيات الثقافية
والحضارية المغربية , ويحافظ على الدولة والوطن و التراب .وقد أسندت وضع مشروع الجهوية إلى لجنة برئاسة السيد عمر عزيمان لما له من ماض مجيد أبان فيه من خلاله  عن حنكة وكفاءة عالية , وهذا ما جعل جلالة الملك يضع خارطة طريق لهذا الإصلاح الجهوي العميق سواء من حيث الأهداف أو المرتكزات أو المقاربات واعتماد مقاربة ديمقراطية وتشاركيه في إعداده , من خلال إقامة لجنة استشارية متعددة الاختصاصات مكلفة باقتراح تصور عام للجهوية الموسعة في أفق فتح نقاش وطني واسع وبناء بمشاركة جميع المؤسسات والسلطات المختصة والفعاليات التمثيلية والحزبية والأكاديمية والجمعوية المؤهلة، وذلك بهدف الوصول إلى تصور وطني لنموذج مغربي لجهوية متميزة تساير التقدم الديمقراطي والمسيرة التنموية,  وتساهم في ترسيخ الحكامة الجيدة وتعزيز مسار الإصلاح لمؤسساتي بالبلاد مادامت النماذج الجهوية الدولية تختلف من دولة لأخرى حسب خصائص ومميزات كل دولة على حدة , سواء تعلق الأمر بالنموذج الألماني أو السويسري أو الإسباني أو الإيطالي أو البلجيكي أو الفرنسي وغيرها من النماذج التي أصبحت مطبوعة بالدولة المطبقة فيها.
وفي هذا السياق، فإن إعادة
النظر في الإطار القانوني المنظم للجهات يعد أمرا ضروريا لإقرار جهوية متقدمة وموسعة,  سواء فيما يخص المقتضيات الدستورية أو أحكام القانون الصادر في 1997 مادامت الفقرة الثانية من الفصل 101 من الدستور تخول للعمال تنفيذ قرارات مجالس العمالات والأقاليم والجهات طبق شروط يحددها القانون، أي قانون مجالس العمالات والأقاليم لسنة 1963 كما وقع تغييره وتتميمه والقانون المنظم للجهات لسنة 1997 , وكذلك الشأن بالنسبة لمقتضيات الفصل 102 من الدستور التي بمقتضاها يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات، ويسهرون على تنفيذ القوانين، كما أنهم مسؤولون ، لهذه الغاية، عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية مادامت الاختصاصات المخولة للمجالس الجهوية ضعيفة وذات طبيعة تداولية أكثر منها تقريرية , ولا ترقى إلى تحقيق جهوية متقدمة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى هزالة الموارد المالية التي لا تتعدى 1% من الضريبة على الشركات وبعض الرسوم التي تبقى دون مستوى القيام بالمهام المنوطة بالمجالس الجهوية.
وهذا يعني أن الإصلاح
الجهوي المرتقب لابد وأن ينطلق من مراجعة الإطار القانوني المرتبط بالنظام الجهوي الجاري به العمل، بما في ذلك القانون المنظم للجهة لسنة 1997 وبعض مقتضيات القانون المالي والفصول 100 و 101 و 102 من الدستور بالتنصيص على الجهة كنظام جديد لتدبير الشأن العام على المستوى الجهوي وكذا تحديد المرتكزات الرئيسية التي يجب أن تقوم عليها الجهة من حيث الأهداف، والآليات والخصوصيات كما جاء في الخطاب الملكي,  والارتقاء بالإطار القانوني المنظم للنظام الجهوي المغربي إلى قانون تنظيمي بدل أن تظل الجهة مجرد جماعة محلية على غرار الجماعات البلدية والقروية ومجلس العمالات والأقاليم وفقا لمقتضيات المادة 100 من الدستور.
وبهذا التوجه الجديد للعمل
الجهوي، سيكون للمغرب نموذجه الجهوي على غرار الكانتونات السويسرية واللاندات الألمانية والحكم الذاتي الإسباني والنظام الفيدرالي الإيطالي والبلجيكي وغيرها من النماذج الجهوية العالمية.

                                                                                                                                  بقلم: عبد الغني العداسي

الميثاق الوطني بين التنظير الأكاديمي والواقع العملي

عرف قطاع التعليم تدهورا خطيرا منذ أواخر الثمانينات ومع تطبيق برنامج التقويم الهيكلي .حيث فرض البنك الدولي على المغرب التقليص من النفقات والتحكم في السياسة الاقتصادية بالمغرب ,كان تأثيره وخيما على قطاع التعليم حيث تم التقليص من الدعامات المادية المقدمة للقطاع  ,حيث  شهد المغرب انخفاض للأجور للأطر العاملة في الحقل التعليمي وتردت البنيات التحتية للمؤسسات التعليمية والعجز عن استيعاب  التلاميذ الجدد ,على اعتبار ضعف مسايرة هذا التطور بإنشاء مؤسسات تعليمية جديدة وبانتهاء العقد التسعيني, وصل مسار التعليم بالمغرب إلى الباب المسدود ,فكان لزاما التفكير في تشريع قادر على تجاوز هذه الأزمة ,فكان البديل وضع الميثاق الوطني للتربية التكوين الذي سنعمل باستعانة بالعديد من الأبحاث التي أجريت في هذا الإطار من طرف المركز الإعلامي  المغربي ومؤلف الكاتب المغربي عبد الكريم غريب.
ومن خلال استقراء ما جاء في أبحاث هؤلاء الباحثين حول موضوع الميثاق الوطني للتربية والتكوين, يمكن أن نستنتج أن التعليم يجب أن يتطور من خلال ما ينتظره المجتمع من هذا التعليم.
حقيقة أن المدرسة ما هي إلا عنصرا من العناصر المكونة للمجتمع بكامله، فلا يمكن لهذا العنصر وحده أن يعيد تشكيل الكل وما ميثاق التربية و التكوين إلا زاوية للنظر في المسألة التعليمية الوطنية وسعت دائرة الطموحات التي انبثث عليها استراتيجية النظام التعليمي القائمة على:
- مبدأ دمقرطة الفرص التعليمية والاحتفاظ بالمتمدرسين أطول فترة ممكنة.
-ربط السيولة بالجودة.
- تقليص نسبة الهدر والتسرب (الانقطاعات المبكرة).
- اعتبار التكوين الجيد من حق كل طفل وكل يافع وبالتالي مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص في توفير الظروف المناسبة للتمدرس كتوفير الوسائل الضرورية لمتطلبات التكوين.
فعلى اعتبار أنه سطر التعميم والجودة بدءا من السنة الرابعة إلى السنة الخامسة عشر في أفق تحقيق إجراءات ذات طابع كمي من قبيل تعميم التمدرس ومحاربة الأمية, فالميثاق الوطني للتربية والتكوين يتكون من قسمين وهو يقرر مسألتين، إلزاميتين هامتين وواضحتين:
”تعلن الحقبة (2000-2010) عشرية وطنية للتربية والتكوين, تعلن التربية أسبقية وطنية أولى بعد الوحدة الترابية”.
القسم الأول يتطرق للمبادئ الأساسية (المرتكزات الثابتة، الغايات الكبرى، حقوق الأفراد والجماعات وواجباتهم، التعبئة الوطنية لتجديد المدرسة).
القسم الثاني ويشتمل على ست مجالات تنزع نحو التجديد ودعامات التغيير منها: (نشر التكوين وربطه بالمحيط الاقتصادي، التنظيم البيداغوجي، الرفع من جودة التربية والتكوين، المواد البشرية، التسيير والتدبير وأخيرا الشراكة والتمويل).
فالميثاق يشكل تصورا شاملا للإصلاح التربوي، كفعل سياسي وكمنظومة بيداغوجية وإدارية جديدة وتوافقية” يشكل من حيث مرجعياته الضمنية ومن حيث المنهجية التي مكنت من تجليته وبلورته. تلك المرجعيات الملتحمة بالآفاق العريضة والمتظاهرة مع الفكر والعلم الكونيين”.
ولمقاربة هذه التصورات التي تتوخى الرفع من وثيرة تقدم المجتمع المغربي من خلال تأهيل أفراده لخوض المنافسة العالمية في إطار المزاوجة بين المحلية والعولمة، نطرح عدة تساؤلات على المدرسة والمنظومة التعليمية على أساس الموضوعية والنقد الذاتي في خطاب التحديات في ميثاق التربية والتكوين.
- هل المدرسة مؤسسة أيديولوجية بمعنى أنها مؤسسة تسهر على ديمومة واستمرارية الطبقة المسيطرة؟
- -كيف يمكن للإصلاح التعليمي أن يضمن لأمة ما استقلاليتها داخل مجتمع دولي لا يؤمن إلا بمنطق القوة؟
- هل يستقيم الإصلاح القطاعي (التعليم) في غياب منظور شمولي لهذا الإصلاح؟
- هل يخضع إصلاح منظومتنا التعليمية لمنطق التنمية الشاملة داخل ثورة من أهم مميزاتها السرعة الفائقة؟
- ما الهدف من تكوين المواطن، هل نريده صالحا لخدمة وطنه أم كفئا بما فيه الكفاية كي تقبل به سوق الشغل الدولية (الشركات العملاقة)؟.
قبل استحضار بعض الإجابات، والعالم تجتاحه اليوم ما أطلق عليه ألفن توفلر بـ "الموجة الثالثة” هذه الموجة التي تعد مزيجا من التقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتية الفائقة.
وفي إطار وضع دولي يسوده العنف والمنافسة الدولية لغزو الأسواق و ما يمكن أن يعرفه العالم من نكوص العولمة وفشلها، بعد دخول أمريكا وبريطانيا حربا صليبية ثالثة بالخليح على العراق (مارس2003) والتي حدّدت فشل العولمة (حسب رأينا) في التخلي عن الصراع على الأسواق والمستهلكين والعودة إلى الصراع على المواد الأولية الخام والمستعمرات (النفط عصب المواد الأولية).
ولقياس مدى كون وثيقة الميثاق الوطني للتربية والتكوين حدثا تاريخيا من الناحية التربوية والسياسية لابد من قياس مدى حضور أو غياب المبادئ الأربعة التي صاغها إصلاح 1959,
فمن خلال ما عبّر عنه الميثاق في البندين 24 و26 من تعميم التعليم وإلزاميته نأمل نسبة للنجاح المدرسي بحدود 100%، لكن ولعدم جدية هذين البندين نلاحظ الخلل بالبند 28 الذي يمأسس للإهدار التربوي حيث يضحي بنسبة 10% من التلاميذ المغاربة في نهاية المدرسة الابتدائية و20% في نهاية المدرسة الإعدادية و40% في نهاية المدرسة الثانوية.
فالتعميم بالميثاق الوطني ونظرا لعدم استناده على قاعدة تحليلية دقيقة ستجد وعوده بعض صعوبات التطبيق كما عرفته المخططات السابقة التي أفرزت تعليم نخبة لا تعليم مواطنة كما أفرزت النسبة المهولة للأمية بالمغرب والتي سطر الميثاق كهدف لمعالجتها والتقليص من النسبة العامة لها بـ 20% في أفق عام 2010 (البند 20)، سنة انتهاء صلاحية الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي ينص على المحو الشبه التام لهذه المعضلة (الأمية) في أفق 2015.
إن أفكار وآراء الميثاق تفتقر إلى قابلية التطبيق لهذا كان لزاما علينا قبل الخوض في الإيقاعات النقدية له أن نُسائله مرة أخرى لتسليط الأضواء (في حدود المسألة) على قصوره في الإجابة على آمال الشعب المغربي في حصوله على امتداد مشروعه المجتمعي في وثائقه التربوية المعاصرة :
– لماذا تفشت الأمية بشكل مهول وسط الفئات المعدَمة؟
- لماذا يبقى ملايين الأطفال في سن التمدرس خارج المنظومة التعليمية؟
- ما الذي دفع النظام التعليمي إلى هذا المستوى المفجع من الإهدار والفشل الدراسي حيث 13% من الأطفال المتمدرسين فقط يحصلون على شهادة الباكالوريا؟
- ما علاقة الفشل الدراسي الحاصل بسياسة التقويم الهيكلي؟
- ما حصيلة سياسة التعريب المتبعة لحد الآن وما أسباب تراجع الميثاق عنها؟
- ما هي الأسباب الحقيقية وراء تفشي البطالة في صفوف حاملي الشهادات الجامعية والمهنية؟
إن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ولعجزه عن الإجابة ، ما هو في الحقيقة سوى ترجمة لتقرير البنك الدولي الذي وضع حدا للخطاب الرسمي حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والذي كان وراء إقبار وثيقة المبادئ التعليمية التي أعدتها ”اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم” سنة 1995، والتي نصت بشكل واضح على مبدأ مجانية التعليم وعلى مسؤولية الدولة في ضمانه تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص ولمبدأي الإلزامية والتعميم.
إن توفير تغذية للطفل داخل المطاعم المدرسية أو مدّه بالكتب والأدوات”مجانا” أو دعم مستواه العقلي”المتدني” لا يمنع من استمرارية انتمائه إلى ثقافة المقهورين وإلى وضعهم الاقتصادي والسوسيو-مهني، ضمن هذا الإطار تصبح إجبارية التمدرس إلى سن محددة ناجعة، لكن غير بريئة لإيقاف طموح المحرومين من ولوج الدرجات العليا في سلك التعليم.
أما تعبير”دمقرطة المدرسة” أو تعبير”تساوي الحظوظ”، نلاحظ أنهما نجحا في شغل حيز واسع من الاستهلاك الدعائي”المدرسي” قد يكون هنا الاستهلاك إيجابيا على مستوى نوعية الأفراد والجماعات بمدى تفاوت حظوظ الأطفال في ولوج المدارس وفي الإحراز على درجات عليا من النجاح المدرسي، إلا أنه من صدق القول الاعتراف بأن دمقرطة المدرسة مستحيلة في ظل نظام ليبرالي يتغذى ويعيش ويتنفس على حساب الفوارق.
هكذا تبدو أزمة التعليم في المغرب \”أزمة نسق\” بأكمله يختلط فيها السياسي والاقتصادي والثقافي والتربوي…إلخ. وتتحمل مسؤوليتها كل الأطراف… وأول خطوة ينبغي تحقيقها قبل الحديث عن الإصلاح التعليمي ،هي تخليق الحياة العامة لإعادة الثقة في الدولة والإدارة والقضاء على صور الدولة المترهلة: فساد إداري، سرقة المال العام، غياب المحاسبة والمراقبة، شراء أصوات الناخبين، تشجيع الدعارة والمخدرات، اعتماد المحسوبية في إسناد المناصب العليا والدنيا…إلخ.
كل هذه المشاكل العالقة تجعلنا نطرح السؤال على طبيعة استقلالنا، أهو سياسي؟ أم اقتصادي؟ أم ثقافي؟ لأن التغلغل الأجنبي ما زال حاضرا في كثير من أشكاله داخل البنيات الأساسية لمجتمعنا، في التعامل الاقتصادي والمجال الثقافي الذي أحرز مركز انطلاق الإطار الاستعماري الجديد للسيطرة على شعوب العالم الثالث.

بقلم : كمال بوعباد

النظام الملكي

في سياق الحديث عن النظم السياسية وأنواعها، يتأتى لنا إفراد النظام الجمهوري بتعريف مختصر يحدد النظام الجمهوري بكونه نظام يتأسس على حكومة تقوم على أكتاف نواب وممثلين ينتخبون مباشرة أو غير ذلك بواسطة أفراد الشعب، حيث تتركز بين أيديهم السلطات العليا كافة.
ويعين رئيس الدولة فيها بالانتخابات، ويظل يمارس مهام منصبه مدة أربع سنوات، ثم يجري انتخاب غيره في نهايتها، أو يرشح نفسه لإعادة انتخابه.
وفي هذا الإطار يمكننا التمييز بين ثلاثة أشكال للنظم السياسية في ضوء النظام الجمهوري الأول:
_ نظام الحكم الرئاسي: الذي يرتكز على أساس محوري, يتجلى في دور السلطة التنفيذية في العملية السياسية ،وخصوصا  في المجال الخارجي حيث يتمتع رئيس الدولة بسلطات واسعة ، مع نوع من التوازن في المجال الداخلي بين سلطة الرئيس وسلطة البرلمان ، أي أن هنالك رئيسا قويا وبرلمانا قويا يحتاج كلاهما إلى الأخر لأداء عمله , فإذا انتفى شرط واحد من هذين الشرطين صار النظام الجمهوري وبالا , فحينما يسود الصراع والخلاف بين سلطة البرلمان وبين سلطة الرئيس تتخلخل البنيات التي تقوم عليها الدولة,  فيصبح الصراع والرغبة في التملك هي السمة البارزة على هذا النظام , فنجد مثلا أن الرئيس يحتاج لموافقة البرلمان لتعيين وزرائه ، ولكن انطلاقا من اللحظة التي يعين فيها الرئيس وزرائه ، تنتفي سلطة  البرلمان على الوزراء  ، وتنتفي معها سلطة  البرلمان في سحب الثقة من الرئيس ، والرئيس بدوره لا يستطيع  حل البرلمان   .
ويستند النظام البرلماني القوي على ثلاثة مقومات أساسية نجملها في: مؤسسات دستورية فاعلة، سلطة تنفيذية مختزلة، مجتمع مدني فاعل, فإذا ما توفرت هذه المقومات الثلاثة,  يمكن القول أن هنالك دولة دستورية قوية, أما إذا انتفت هذه المقومات الثلاثة أو إحداها فإن مصير الدولة سيؤول إلى الزوال, وسيصبح الصراع هو سيد الموقف, لأن الكل يبتغي السلطة والرغبة في الحكم, وستنقسم الدولة إلى تيارات متناحرة فيما بينها كل تيار يدعي الشرعية في الحكم ,وسيسعى إلى نيل السلطة بالعنف لا بطريقة ديمقراطية, لأنه في غياب ممثل البلاد سيصبح منطق القوة هو المنطق المهيمن وهو المعيار الوحيد لنيل السلطة, ولنتخيل حياة الشعب الذي في ظل هذا النظام كيف ستكون , ستكون عذابا أليما ونارا تلسع الشعب  من جراء القتل والنهب الذي سيصبح هو السمة البارزة عندما يتسرب الشقاق والخلاف بين ركائز النظام , وحينها تصير السلطة والرغبة في الحكم غاية في ذاتها , وغاية كل واحد من أفراد الشعب بدون سند , ليس لخدمة الشعب بل لخدمة المصالح الذاتية والأطماع الشخصية , وهذا هو الخطر الذي يحدق بهذا النظام وهو يواجه التحديات التي تعترضه, وهذا الشرخ المهول في وحدة السلطة في النظام الجمهوري لا نجده في النظام الملكي .
فنظام الحكم الملكي من أقدم أنظمة الحكم التي عرفت على مر التاريخ, ويمكننا تحديد النظام الملكي في كونه نظام حكم يكون فيه الملك على رأس الدولة ويتميز بأن الحكم غالباً ما يكون لفترة طويلة وعادة حتى وفاة الملك وينتقل بالوراثة إلى ولي عهده.
وإذا ارتبطنا ببنيات المجتمع المغربي وبمكوناته المختلفة وجدنا أن أصلح نظام يكفل دوام الأمن والاستقرار للمواطن هو النظام الملكي , فمن سابع المستحيلات دوام هذا الاستقرار والأمن الذي يرغد فيه المواطن, في ظل النظام الجمهوري,  لأن هذا النظام كما أسلفنا  يفتقد إلى الضوابط والمعايير الأساسية التي توفر للشعب الحياة المستقرة وذلك نتيجة لافتقاده  إلى  خاصيتين اثنتين ,  نجسد الأولى في عنصر الاستقرار الذي يتولد  من وحدة الهدف ووحدة السياسة , ذلك أن هناك  سمة بارزة يتسم بها النظام الملكي,  ألا وهي ديمومة الحكم واستقراره ووحدته , أي أن هناك شخص الملك يحفظ وحدة البلاد واستقرارها , بينما النظام الجمهوري يفتقد إلى الاستقرار وإلى سياسة ثابتة وواضحة فكل رئيس له توجهه الخاص , وهذا الأمر يعرض الدولة إلى العديد من التقلبات, وهذا ما يفرض عليها العديد من التحديات في كثير من الأحيان يستعصي إيجاد حل لها , هذا من جهة أما من جهة أخرى فذيوع السلطة بين أوساط الشعب يوقظ الشحناء والخلاف بين طبقات الشعب , ويجعل من اعتلاء عرش السلطة الشغل الشاغل لفئات واسعة من المجتمع بدل التفكير في السبل الكفيلة لتطوير البلاد ورقيها , كما أن الاستقرار يصبح صعبا حينما تتعدد الأعراق داخل المجتمع وحينما تتباين أجناسه وانتماءاته ,ففي هذا المجتمع وفي ظل النظام الجمهوري سيصير منطق القوة هو سيد الموقف , وستتأجج الرغبة في الحكم , وستزول عرى الألفة والمحبة داخل المجتمع , وستداس جميع الحقوق المتعارف عليها دوليا تحت سلطان الطمع في الحكم والسلطة , وستصير حياة الشعب عذابا أليما عاجلا أم أجلا , وهذه العيوب التي يتميز بها النظام الجمهوري هي عيوب قاتلة لأن أطماع الإنسان في السلطة لا تحدها حدود . 
وفي ظل النظام الملكي, الشعب المغربي ينعم بالاستقرار وبالأمن النفسي نتيجة لتبات النظام ولوحدة السلطة المتمثلة في شخص ملك.
كما أن النظام الملكي يتميز بالعديد من المزايا تفتقر إليها الأنظمة الأخرى نذكر منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر في كون النظام الملكي:
  • يمتاز ببساطة التنظيم وتتم الأعمال فيه على وجه السرعة وبصفة منتظمة.
  • السياسة فيه واضحة ومتماسكة.
  • يحافظ على وحدة الدولة وقوتها.
  • لا يوجد صراع بين الأحزاب للوصول إلى الحكم, وهو أصلح نظام لتحقيق المساواة والعدل بين جميع الطبقات في الدولة.
  • الحكم الملكي يضمن الأمان والاستقرار ولقمة العيش للشعب.
ويرى الفيلسوف السياسي هوبز: أن النظام الملكي هو أحسن أنظمة الحكم ويعلل ذلك بقوله: إن مصالح الملك الشخصية مرتبطة بمصالح رعيته , الملك لا يمكن أن يتعارض مع نفسه أما حين تكون السيادة للبرلمان فإن المعارضة تكثر بين الأعضاء نتيجة للتنافس أو الحسد..
وفي المغرب في ظل النظام الملكي جميع الحقوق المدنية والحريات العامة مكفولة للمواطنين على قدم المساواة, وتتجلى هذه الحريات في حرية الرأي والمعتقد, وكذا حرية الصحافة والنشر, وجميع الحريات السياسية والاجتماعية التي تفيد أن جميع أفراد المجتمع المغربي يملكون حق المشاركة في الحياة الاجتماعية والتأثير على مجرى الأمور العامة, ويمكن تحقيق ذلك مثلا عن طريق تكوين الجمعيات أو عن طريق التجمع العمومي السلمي بحرية قصد المشاركة في الاختيارات والرهانات الاجتماعية التي تمس وجودهم.
وصحيح أن هناك قضايا عويصة ما زالت تقض  مضاجع  العديدين من بينها مشكلة البطالة والفقر إلخ, لكن  الأمر الثابت هو أن المغرب يبدل جهود حثيثة من أجل  تنمية الدخل الفردي للمواطن ومن أجل الرقي بمستواه الاجتماعي .
وقد لاحظ الجميع خطى التغير الجذري الذي عرفه المغرب في عهد الملك محمد السادس, فجل المشاريع الكبرى صدرت عن الملك,  وكذلك تنفيذ هذه الأوراش الكبرى قد اضطلعت بها إرادة الملك وصدرت منه لا عن الأحزاب ولا الحكومة, والعديد من الهيئات أنشئت بقرار ملكي تجلت على سبيل المثال في المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء، والمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، ووكالة تنمية أقاليم الشمال، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وديوان المظالم..
ولا يخفى على أحد الفاعلية التي أبان عليها الملك محمد السادس منذ اعتلائه عرش البلاد,  والمجهودات الجبارة التي بذلها قصد إغناء الجانب السياسي,   فقد كان الملك محمد السادس هو الفاعل الأساسي في مسيرة الانتقال الديمقراطي، في حين انحصر دور الحكومة في تنفيذ برامج الملك، وعلى رأسها مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, كما أن جل الملفات الاجتماعية والاقتصادية تدبر بمبادرة من الملك مباشرة وبأمر منه , وهذا إن دل على شيء فإنما يدل دلالة واضحة على حرص جلالته على المضي قدما في مسيرة التقدم والرقي  السياسي والاقتصادي .
وحسب وجهة نظر المحللين السياسيين, فإن المغرب قد قطع أشواطا هامة في مسيرة النماء والتطور لكونه بلدا آمنا ويملك كل مقومات التطور والتقدم.
                                                                                 بقلم: عادل الخلوة

استقلال القضاء

أصبح موضوع استقلال القضاء من الموضوعات  المثارة من طرف المنظمات الحقوقية المغربية وعلى رأسها المجلس الاستشاري للحقوق الإنسان ,والجمعية المغربية للحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة , وإذا كان نظام أي دولة من دول المعمور تقوم على سلطات ثلاث السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية فإن المغرب صار على درب الديموقراطيات العريقة في النص على ذلك بصريح الدستور الفصل 82 عن الفصل بين هذه السلطات الثلاث وعدم تدخل السلطة التشريعية والتنفيذية في عمل السلطة القضائية , ويعتبر الضامن الأساس لاستقلال القضاء أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس  نصره الله باعتباره يترأس المجلس الأعلى للقضاء , وما يزكي هذا الاستقلال وضع تنظيم قضائي خاص بمختلف المحاكم يبين كافة  الهيئات القضائية المكونة لها واختصاص كل محكمة,  هذا إلى جانب القانون الأساسي لرجال القضاء ,  الذي يجعل القاضي في مأمن  من تدخل من السلطتين,  كما يحميه من العزل والنقل حيت يخضع في حالة أي  مخاصمة أو تجريح للمساطر دقيقة تحمي حقوقه الكاملة في الدفاع عن نفسه,  حيث تجري مسطرة المتابعة أمام المجلس الأعلى , وهو مؤسسة مستقلة عن السلطتين كذلك , ومما زاد في تعضيد الاستقلال المشروع الكبير لإصلاح القضاء الذي أعطى انطلاقته جلالة الملك محمد السادس  في خطاب ثورة الملك والشعب 20 غشت 2009..
ويعتبر هذا الخطاب بمثابة خريطة الطريق لورش كبير يحتاج لتظافر كافة القوى الحية في البلاد ,حيث تضمن الخطاب الملكي  مجموعة من البنود العريضة , كان من أهمها إعادة الاعتبار للقضاة عن طريق الرفع من التحفيزات المادية.
وإعادة تأهيل البنيات التحتية للمختلف المحاكم عن طريق تزويدها بالتكنولوجيا المتطورة هذا إلى جانب مراجعة بعض القوانين حتى تتلاءم مع المستجدات التي يعرفها المغرب على المستوى الحقوقي كقانون المسطرة الجنائية تماشيا مع سياسة المغرب المتعلقة بإصلاح السجون المغربية وإعادة إدماج السجناء وإحداث مؤسسة قاضي التنفيذ المكلف بمتابعة وضعية الجاني داخل المؤسسة السجنية والعمل على تفعيل نظام التدابير الوقائية.
وإذا كانت كافة هذه الإصلاحات تعبر عن الشوط  الكبير الذي قطعه المغرب بالنسبة لاستقلال القضاء , فانه لازالت هناك بعض العوائق تقف عائقا أمام الاستقلال الكامل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية , وهذه النقطة نستقيها من مقتضيات المسطرة الجنائية التي  تكرس التبعية المطلقة لمؤسسة النيابة العامة لوزير العدل,  فهو يعتبر الرئيس الإداري لهذه المؤسسة وأعضائها ملزمون بإتباع تعليماته الكتابية في متابعة شخص ما أو عدم متابعته ,  فهذا المقتضى يحد لا محالة من هذا الجهاز القضائي ويجعل عضو النيابة العامة  يتعرض للعزل أو النقل المباشر من طرف وزير العدل مباشرة في حالة صدور أي إخلال بالتعليمات الموجهة إليه من طرف الوزير.
لذا يجب على المشرع المغربي في أول فرصة تتاح له أن يعمل على تعديل هذا المقتضى وذلك بإلغاء التبعية المباشرة للوزير العدل وحفاظا على استقلال ونزاهة قضائنا.               

بقلم: عبد الغني العداسي